“الضرر الواقع على المدنيين وحمايتهم منه في اليمن
-
Issue 76
الأزمة في اليمن
-
1
أزمة اليمن والمجتمع المدني: البقاء على قيد الحياة رغم الصعاب
-
2
التصدي للعنف ضد النساء والفتيات: دور المنظمات الوطنية
-
3
معالجة العنف القائم على نوع الجنس وزواج الأطفال: مقاربة شعبية
-
4
“المجتمع المضيف ضعيف مثلنا تماماً”: نظرة متعمقة في أزمة النازحين في الحديدة والاستجابة الإنسانية
-
5
“النُهج الديناميكية لحماية الأطفال في الاستجابة الإنسانية في اليمن
-
6
“عندما تكون الاحتياجات هائلة: تحقيق التوازن بين النوعية والتغطية في مستشفى في اليمن
-
7
“تحديات المعلومات والتحليلات الإنسانية: أدلة من اليمن
-
8
“برنامج “النقد من أجل التغذية” في اليمن
-
9
“الضرر الواقع على المدنيين وحمايتهم منه في اليمن
-
10
“وقف مبيعات الأسلحة لأطراف النزاع في اليمن: استعراض دعوات مناصرة منظمة كير في فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة
منذ اندلاع الحرب الحالية في اليمن عام 2014، قُتل أو جُرح آلاف المدنيين ودمرت الضربات الجوية والعمليات البرية المستشفيات والمدارس والبنية التحتية الحيوية.، كما يعاني ملايين آخرون ويموتون من الجوع والمرض بسبب القيود المفروضة على وصول المساعدات الإنسانية والواردات التجارية والحصول على الخدمات الأساسية. هذه ليست كارثة طبيعية، كما أوضح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتييريس، ولكنها أزمة “من صنع الإنسان”. وفي حين أن الأطراف المتحاربة لديها القدرة على الحد من معاناة المدنيين الناتجة عن الأعمال العدائية، إلا أنها فشلت حتى الآن في القيام بذلك، ولا بد من إجراء عاجل. كما حاول المجتمع المدني والمنظمات الدولية ودول ثالثة حث الأطراف المتحاربة على تحسين حماية المدنيين بدرجات متفاوتة من النجاح.
الضرر الواقع على المدنيين بسبب الحرب في اليمن
بدأ الصراع الحالي في عام 2014، عندما حملت جماعة أنصار الله المسلحة (الحوثيون) والقوات الموالية للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح السلاح ضد الحكومة، ثم تصاعدت الأعمال العدائية بشكل ملحوظ عندما تدخلت قوات التحالف بقيادة السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى جانب الحكومة، ودعم التحالف عدد من الحكومات الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، بينما تلقى الحوثيون الدعم من إيران.
لقد تسببت أطراف النزاع في إلحاق الأذى بالمدنيين بطرق متعددة، ويمثل النص أدناه مجرد لمحة عن ذلك.
الضربات الجوية
في مارس 2015، بدأ التحالف بقيادة السعودية والإمارات العربية المتحدة حملة جوية مدمرة. وسرعان ما أثيرت مخاوف بشأن حجم الأضرار التي لحقت بالمدنيين نتيجة الضربات الجوية، حيث أفاد مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بوقوع آلاف القتلى والجرحى بحلول سبتمبر / أيلول 2015. وعلى الرغم من التقارير المتكررة والمستمرة عن الأثر المترتب على المدنيين، استمرت الغارات الجوية التي تسببت في أضرار مدنية كبيرة. في أكتوبر 2016، ضرب التحالف جنازة، ثم في أبريل 2018 استهدف حفل زفاف. في أغسطس 2019، وبعد أكثر من أربع سنوات من بدء الحملة الجوية، أصيب سجن للحوثيين كان يحتجز سجناء مدنيين ومقاتلين من التحالف، وقد قتل كل من هذه الهجمات أو أصاب أكثر من 100 شخص.
كان للحملة الجوية تأثير بعيد المدى على حياة المدنيين، فقد تضررت المدارس والمستشفيات والأسواق والمساجد والمنازل، كما ضرب التحالف مركزاً لمكافحة الكوليرا تديره منظمة أطباء بلا حدود في يونيو 2018. وقالت منظمة أطباء بلا حدود إنها شاركت الإحداثيات مع التحالف عشرات المرات، وكانت هناك علامات واضحة على سطح المركز. وفقاً لمنظمة أطباء بلا حدود، حرمت الضربة الجوية أكثر من مليون شخص من وسيلة للعلاج أثناء تفشي الكوليرا.
القصف بالهاون والمدفعية والألغام الأرضية
أسفر القتال البري العنيف بين الحوثيين والقوات المدعومة من السعودية والإمارات والقوات المسلحة اليمنية والجماعات المسلحة الأخرى عن وقوع أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين، وقد تعرضت تعز بشكل خاص لأضرار بليغة للغاية. فقد استخدم المقاتلون (الحوثيون في المقام الأول) الأسلحة الثقيلة في الهجمات على المدينة في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، ما أسفر عن مقتل وجرح المدنيين. كما كان قصف الحوثيين والحكومة اليمنية والقوات المتحالفة مع التحالف سبباً رئيسياً لإلحاق الأذى بالمدنيين خلال معركة الساحل الغربي لليمن. وتشكل الألغام الأرضية ومخلفات الحرب الأخرى، بما لها من آثار عشوائية، تهديداً كبيراً للمدنيين، حيث استخدم الحوثيون الألغام الأرضية – بما في ذلك الألغام المضادة للأفراد المحظورة – التي قتلت وجرحت العشرات. واستخدم التحالف الذخائر العنقودية المحظورة على نطاق واسع حتى عام 2017 على الأقل، ولكن يبدو أنه توقف عن استخدامها في اليمن بسبب اعتراضات الرأي العام والحلفاء.
الاحتجاز والاختفاء القسري والتعذيب
انخرط الحوثيون والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والقوات المدعومة من الإمارات والقوات الحكومية اليمنية جميعاً في انتهاكات خطيرة تتعلق بالاحتجاز تتراوح بين الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والمعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة والتعذيب. لقد وثّقت جماعات حقوق الإنسان اليمنية والدولية، وكذلك محققو الأمم المتحدة، مئات حالات الانتهاكات المتعلقة بالاعتقال منذ 2014، بما في ذلك الوفاة في المعتقل نتيجة الانتهاكات وأخذ الرهائن بغرض ابتزاز الأموال من العائلات أو استخدام الأشخاص في تبادل للأسرى. كما تم نقل المعتقلين خارج اليمن إلى المملكة العربية السعودية، وربما إلى مكان آخر، بما في ذلك إريتريا، واستمر اختفاء الناس، ولا سيما الرجال والأولاد، في جميع أنحاء البلاد.
منع وصول المساعدات الإنسانية وعرقلتها وتأخيرها وإعاقتها
أعاق التحالف تسليم الواردات الإنسانية والتجارية من خلال سيطرته على موانئ اليمن البرية والجوية والبحرية، وأدى الإغلاق الكامل لأهم المنافذ في اليمن، بما في ذلك ميناء الحديدة، في نوفمبر / تشرين الثاني 2017 إلى حرمان ملايين اليمنيين من المياه النظيفة والصرف الصحي في وقت كانت فيه البلاد قد خرجت للتو من أسوأ تفشي للكوليرا في العالم، بعد أن أطلق الحوثيون صاروخاً باليستياً باتجاه مطار الرياض. وعلى الرغم من رفع الإغلاق الكلي في نهاية المطاف، استمرت القيود الصارمة، وتفاقمت التحديات التي يواجهها اليمنيون في الحصول على الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية بسبب إغلاق التحالف لمطار صنعاء في أغسطس 2016. كما حد الحوثيون من توفير المساعدات الإنسانية الأساسية للسكان المحتاجين، إذ سرقت قوات الحوثيين المساعدات ومنعتها من الوصول إلى مناطق خارجة عن سيطرتها، وفرضت تأخيرات تعسفية ومفرطة على العمل الإنساني وعلى التنقل والوصول، وكان الأثر التراكمي لهذه القيود كبيراً.
الجهود لتحسين حماية المدنيين في اليمن
أصبح من الواضح نسبياً في وقت مبكر من النزاع أن الأطراف المتحاربة لم تتسبب فقط في تعريض المدنيين لضرر واسع النطاق وحسب، بل إنها فشلت أيضًا في اتخاذ خطوات ذات مصداقية لتقليل هذا الضرر بشكل كبير. من جهة أخرى، عملت مجموعة من الجهات الفاعلة، بما في ذلك المجتمع المدني والمنظمات الدولية ودول تتخذ طرفاً ثالثاً، على زيادة حماية المدنيين، وتضمنت تكتيكاتهم المشاركة المباشرة مع الأطراف المتحاربة أو تقديم الدعم الفني لها والرصد والإبلاغ عن الامتثال للقانون الدولي والمناصرة والحملات.
أدت القيود التي فرضتها الأطراف المتحاربة – بما في ذلك من خلال حصار التحالف وعرقلة الحوثيين – إلى التركيز بشكل كبير على ضمان السماح للمساعدات والواردات التجارية المنقذة للحياة بالدخول إلى البلاد والوصول إلى وجهاتها، وسعى عدد من الفاعلين في المجال الإنساني، بما في ذلك الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية غير الحكومية، إلى تقديم المساعدات والسلع التجارية، بما في ذلك تنسيق عمليات الأذونات للتحركات الإنسانية (داخل البلاد وحولها) وتقديم الدعم الفني للأطراف المتحاربة ذات الصلة بسلاسل الإمداد.
إلى جانب ذلك، سعت بعض الدول إلى المشاركة في حماية المدنيين، بما في ذلك من خلال المشاركة المباشرة مع الأطراف المتحاربة أو تقديم الدعم التقني لها، وقام المستشارون الأمريكيون بتدريب قوات التحالف على قوانين الحرب، وتتبع الأضرار التي لحقت بالمدنيين وكيفية تطوير أنظمة للتعلم من “أخطاء” الماضي. ومع استمرار تعرض المدنيين للأذى، كانت الولايات المتحدة مترددة في اتخاذ خطوات مثل حجب الدعم المادي (بما في ذلك الأسلحة أو غيرها من المساعدات)، على الرغم من أن المسؤولين السابقين أشاروا إلى أن تدابير أكثر صرامة هي أكثر السبل الواعدة للتغيير الإيجابي.
كانت للدول التي تنتقد أعضاء التحالف بشكل واضح وعلني تأثير كبير؛ على سبيل المثال، أثارت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول أخرى مخاوف كبيرة بعد تفجير قاعة جنائز مزدحمة في صنعاء، ما دفع إلى تعهد التحالف شبه الفوري بالتحقيق في الأمر. في بعض الحالات، اعترف التحالف بأن الهجمات كانت نتيجة “أخطاء”، ووعد بمجموعة متنوعة من التدابير لحماية المدنيين بشكل أفضل، بما في ذلك تشديد قواعد الاشتباك، ولكن واقع أن الغارات الجوية استمرت في إلحاق الضرر بالمدنيين، وأن الأنماط العامة للضرر لا تزال مشابهة، تشير إلى أن هذه التدابير لم تكن فعالة بما فيه الكفاية.
عملت الجماعات اليمنية والمنظمات غير الحكومية الدولية وهيئات الأمم المتحدة طوال النزاع على رصد الضرر الذي يلحق بالمدنيين والتحقيق فيه وتوثيقه، وغالباً ما ينصب التركيز على الالتزامات القانونية الدولية لأطراف النزاع ونشر التقارير عن الانتهاكات والتجاوزات الواضحة وتقديم توصيات بشأن طرق تقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين. كما بدأت بعض مجموعات المجتمع المدني في بناء قاعدة أدلة لإرساء الأساس للجهود المستقبلية في المساءلة والتعويض. في عام 2017، أنشأ مجلس حقوق الإنسان – بعد ثلاث سنوات من قيام المجتمع المدني بجهود المناصرة- فريق الخبراء البارزين، وهو تحقيق مستقل في الانتهاكات، وقد لاقى التقرير الثاني للمجموعة، المنشور في سبتمبر 2019، اهتماماً كبيراً لا سيما فيما يتعلق بإدراج أسماء الأفراد والوحدات المشاركة في الحملة العسكرية، وتسليط الضوء على دور الأطراف المتحاربة في تفاقم الأزمة الإنسانية وتوصية الدول بالتوقف عن تسليح أطراف النزاع.
يمكن القول إن معظم ما أدى النجاح في كسب الاهتمام واتخاذ الإجراءات بخصوص الضرر اللاحق بالمدنيين في اليمن كان التركيز على الجهات المتواطئة المحتملة، فقد وسعت منظمات المجتمع المدني من عملها لتشمل البحث والمناصرة والقيام بالحملات مسلطة الضوء على الجهات التي تساهم في الانتهاكات، وذلك من خلال مبيعات الأسلحة أو الأشكال الأخرى من المساعدة العسكرية والأمنية للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ونتيجة لهذا العمل، أوقف عدد من الدول مبيعات الأسلحة لأعضاء التحالف وضغطوا على التحالف لإنشاء آلية تحقيق. و رغم أن هذه التدابير غير كافية، إلا أنها مجدية، كما أثبتت الجهود المبذولة لتشجيع التغيير مع الجماعات المسلحة أنها أكثر صعوبة، حيث كافح النشطاء والجهات الفاعلة الأخرى لتطوير تكتيكات ملموسة للدفع بحماية المدنيين مع الجهات الفاعلة من غير الدول، لا سيما الحوثيين. وفي حين أن المحامين والناشطين اليمنيين حققوا نجاحات مهمة (على سبيل المثال في حالات الاعتقال الفردية)، إلا أن المسارات الواضحة نحو أدوات تأثير فعالة كانت أقل وضوحاً أو فعالية.
تدابير أساسية لتحسين حماية المدنيين في اليمن
بإمكان الأطراف المتحاربة تحسين وضع المدنيين بشكل ملحوظ وفوري من خلال الالتزام ببساطة بالقواعد التي حددها أصلاً القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان الدولي، وتجدر الإشارة إلى وجود حاجة ماسة إلى المساءلة وآليات أفضل لتعلم الدروس. يؤكد تكرار نفس أنواع الانتهاكات طوال فترة النزاع على الحاجة الحقيقية لإجراء تحقيقات شاملة وفعالة عن الادعاءات بحصول الانتهاكات ولعمليات معاقبة الجناة أو محاسبتهم، ولآليات لتقديم إنصاف وتعويضات ذات معنى للمدنيين عن الأضرار التي لحقت بهم ولحلقات تغذية راجعة فعالة لضمان تعلم الدروس بشكل صحيح.
أثبتت الأطراف المتحاربة أنها غير مستعدة لإجراء هذه التغييرات في غياب ضغوط أو حوافز، ولضمان ألا تتم التغييرات وحسب، بل أن تكون ذات مصداقية وفعالية أيضاً، على الدول وضع معايير واضحة: على سبيل المثال وضع حد للهجمات العشوائية وغير المتناسبة وتحسين الظروف في مواقع الاعتقال (بما في ذلك الإفراج عن المحتجزين تعسفاً) والتيسير الحقيقي الملحوظ لتدفقات المساعدة الإنسانية والواردات التجارية وبدء تحقيقات ذات مصداقية والمساءلة والتعويض والاستفادة من الدروس السابقة وعمليات التخفيف. وسوف يكون وقف مبيعات الأسلحة وأشكال الدعم العسكرية الأخرى للأطراف المتحاربة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وسيلة فعالة للضغط على التحالف لإجراء تغييرات حقيقية للتقليل من الضرر الذي يلحق بالمدنيين.
ونظراً لأن تعريض المدنيين للضرر متأصل في النزاع، فإن الأمر الأهم الذي يمكن للأطراف المتحاربة ومؤيديها القيام به لزيادة حماية المدنيين هو اتخاذ خطوات ملموسة نحو السلام.
كريستين بيكرل هي المديرة القانونية للمساءلة والتعويض في منظمة مواطَنة لحقوق الإنسان، وهي منظمة يمنية مستقلة معنية بحقوق الإنسان، وقد كانت في السابق باحثة في هيومن رايتس ووتش في اليمن. أسامة الفقيه هو مدير الإعلام والاتصال والمناصرة في مواطَنة لحقوق الإنسان، وقد سبق له أن قاد وحدة أبحاث مواطَنة.
تعليقات