معالجة العنف القائم على نوع الجنس وزواج الأطفال: مقاربة شعبية
-
Issue 76
الأزمة في اليمن
-
1
أزمة اليمن والمجتمع المدني: البقاء على قيد الحياة رغم الصعاب
-
2
التصدي للعنف ضد النساء والفتيات: دور المنظمات الوطنية
-
3
معالجة العنف القائم على نوع الجنس وزواج الأطفال: مقاربة شعبية
-
4
“المجتمع المضيف ضعيف مثلنا تماماً”: نظرة متعمقة في أزمة النازحين في الحديدة والاستجابة الإنسانية
-
5
“النُهج الديناميكية لحماية الأطفال في الاستجابة الإنسانية في اليمن
-
6
“عندما تكون الاحتياجات هائلة: تحقيق التوازن بين النوعية والتغطية في مستشفى في اليمن
-
7
“تحديات المعلومات والتحليلات الإنسانية: أدلة من اليمن
-
8
“برنامج “النقد من أجل التغذية” في اليمن
-
9
“الضرر الواقع على المدنيين وحمايتهم منه في اليمن
-
10
“وقف مبيعات الأسلحة لأطراف النزاع في اليمن: استعراض دعوات مناصرة منظمة كير في فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة
تشهد اليمن أسوأ أزمة إنسانية في العالم، فالملايين يعانون من الجوع ومعرضون لخطر المجاعة، فضلاً عن انهيار البنية التحتية الصحية عمليا. وقد بلغ عدد النازحين داخل اليمن 3.6 مليون شخص لا يعلمون غالباً أين سينتهي بهم الأمر، كما شهدت محافظة تعز على الساحل الغربي لليمن بعضاً من أكثر المعارك ضراوة في السنوات الأربع الماضية أجبرت آلاف العائلات على ترك منازلها.
وفيما تعمل المنظمات الإنسانية الدولية في جميع أنحاء البلاد لتلبية الاحتياجات الأساسية للناس، تعمل منظمات مثل منظمتي على المستوى الشعبي على معالجة المخاوف الخطيرة للغاية في مجال الحماية، حيث أنشأتُ مؤسسة يدا بيد للعمل مع النازحين داخلياً في عدن كي نساعد النساء المستضعفات في العثور على مأوى عندما يهربن من منازلهن ولكي نصلهن بالمنظمات التي يمكن أن تدعمهن؛ وكذلك نقدم التدريب المهني مثل دورات الخياطة ونساعد النساء على فهم الهياكل السياسية المحلية وكيف يمكن أن يكنّ صانعات قرار إلى جانب الرجال.
أناقش في هذه المقالة الزيادة واسعة النطاق لحالات العنف القائم على نوع الجنس وزواج الأطفال منذ بداية النزاع، وآليات التكيف التي تستخدمها الأسر اليمنية من أجل البقاء – وخاصة النازحين.
طفلة حامل بطفل
خلال سنوات طويلة من عملي مع النساء المستضعفات، واجهت قضيتين رئيسيتين: الزواج المبكر والعنف الجسدي. كلاهما إشكالي للغاية إبان السلم، ولكنهما أصبحتا أسوأ بكثير خلال النزاع، رغم صعوبة الحصول على بيانات.
المبكر في اليمن قبل النزاع مرتفعاً جداً بالفعل، إذ تتزوج 9٪ من الفتيات قبل سن 15 و32٪ قبل بلوغهن 18 عاماً، وفقاً لأرقام الأمم المتحدة. وبسبب عدم فهمهن لأجسادهن وللتغيرات الجسدية التي تمررن بها، فإن الفتيات معرضات للخطر بشكل خاص أثناء الحمل والولادة، حيث تموت العديد من النساء والفتيات أثناء الولادة بسبب النزيف أو بسبب سوء التغذية. في عام 2018، تم إدخال 410،000 امرأة حامل ومرضع تقريباً إلى المنشآت الصحية بسبب المعاناة من سوء التغذية الحاد، بزيادة قدرها 87 ٪ عن عام 2016. وبينما تبدو الإحصاءات مروعة، فإن القصص الشخصية للنساء اللواتي التقيتهن مؤثرة أكثر.
التقيت امرأة غادرت منزلها في تعز وهربت إلى عدن – كانت أرملة مع ثلاث بنات مراهقات أعمارهن 14 و15 و16 سنة. عندما وصلت العائلة إلى عدن عشن في مأوى بسيط للغاية دون أبواب أو نوافذ، ما جعل الفتيات مستهدفات للغاية وعرضة لخطر العنف الجنسي. كان أحد الجيران يقوم بمضايقتهن أثناء خروج والدتهن لتسول المال والطعام. في مثل هذا الوضع الخطير، كان دفاع المرأة الوحيد هو تزويج بناتها، لكن ما لبث زوج ابنتها الكبرى، وهو رجل عمره 40 عاماً كان يعمل في الجيش،أن قُتل بعد فترة وجيزة من حمل الفتاة وتركها أرملة – وهي الآن بصفة أساسية مجرد طفلة حامل بطفل. كما تزوجت شقيقتاها الصغيرتان من رجال أكبر منهما بعشرين سنة.
وبصرف النظر عن الحماية، فإن السبب الرئيسي للزواج المبكر هو المال، لا سيما في ظروف غير مستقرة ومتأثرة بالنزاعات حيث يبحث الكثير من الناس عن أي طريقة لتغطية نفقاتهم، فقد زوجت امرأة أخرى أعرفها ابنتها البالغة من العمر 15 عاماً من رجل أكبر منها سناً بكثير للحصول على المال حتى تتمكن من الفرار من تعز إلى عدن، وقد جاءت إلى عدن عام 2016 مع ابنتها، لكن الزوج لا يزال في تعز ويضغط عليها للعودة
مع الزواج المبكر تأتي الحماية والدخل للأمهات والآباء – وهو قرار منطقي من نواح كثيرة. و. لا يتم الإبلاغ عن زواج الأطفال لأنه يعتبر آلية حماية للوقاية من تهديد أكبر، وهي قضية ثقافية بالطبع، فالكثير من العائلات غير متعلمة بما يكفي لتدرك أن الأمر ليس جيدا للفتيات. لقد رأيت حالات تزوج فيها العائلات بناتها الصغيرات – وفي بعض الحالات أبناءهم الصغار- حتى عندما لا يكونون بحاجة إلى المال أو الحماية.
إن العنف والتحرش الجنسيين من المسائل الخطيرة الأخرى التي تواجه النساء والفتيات اللواتي ألتقي بهن، فهناك حالات اغتصاب لا يتم الإبلاغ عنها رسمياً. عندما أتحدث مع النساء يقلن إنهن تعرضن للاعتداء عدة مرات، لكن لا أحد يذكر الاغتصاب. أعتقد أن هناك عدداً لا يحصى من حالات العنف الجنسي الخطيرة للغاية، ولكن لم يتم الإبلاغ عنها لأن النساء يخفن من وصمة العار الاجتماعية المرتبطة بالاغتصاب، وبسبب المخاطر المستمرة على سلامتهن. وفي مخيمات النازحين، تضطر أولئك اللواتي تعرضن للاعتداء للعيش جنباً إلى جنب مع الذين اعتدوا عليهن، وحتى لو أبلغن عن الاعتداء، فقد يستغرق الأمر وقتاً طويلاً للحصول على استجابة، عدا عن أنهنّ يخشين الانتقام والغضب. وكثيراً ما تتعرض النساء المتزوجات للتحرش والإساءة من قبل أزواجهن؛ ولأنهن متزوجات لا تعتقدن أن هذا خطأ، فهنا يعتبر التحرش الجنسي بما في ذلك اللمس والتحرش اللفظي جزءاً لا مفر منه في الحياة. ولذلك ينبغي تثقيف المجتمعات المحلية لكي تتمكن من فهم أن العنف والتحرش الجنسيين خطأ دائماً، مهما كانت الظروف.
بناء الثقة
غالباً ما تكون المواقف والمعتقدات اليمنية متجذرة حيث يعيش الناس. فكما في العديد من البلدان حول العالم، يكون الناس في المدن أكثر تقدمية ومرونة، في حين أن تفكيرهم أكثر انغلاقاً بكثير في القرى الريفية النائية. ومع أنه ليس من السهل فتح أحاديث حول التحرش الجنسي والزواج المبكر، فإن نقطة البداية الجيدة هي التحدث إلى الأئمة وشيوخ الدين، فالكثير منهم متعلمون ومنفتحون ويحترمون مجتمعاتهم، فضلاً عن أن الناس يستمعون إليهم. كما ينبغي جمع أعضاء المجتمع، بما في ذلك الآباء والأمهات والمعلمين والفتيات أنفسهن في جلسات تعليم، ومع أن الأمر قد يستغرق بعض الوقت لتغيير المواقف والمفاهيم، فهو ممكنٌ طالما أن المدربين والميسرين هم من نفس المجتمعات وهم شخصيات موثوق بها. هنا ألقي الضوء على بعض الطرق الرئيسية التي يمكننا من خلالها معالجة هذه القضايا في اليمن.
إن التمكين الاقتصادي للنساء أمر حيوي لتمكينهن من التعبير عن أنفسهن – والأهم من ذلك – حماية أنفسهن. وعلى الرغم من صعوبة قبول المجتمعات المحافظة للغاية، إلا أن بعض الرجال – على سبيل المثال الآباء – سيستمعون ويقبلون هذا الأمر لأنهم يريدون الأفضل لبناتهم. أما بالنسبة للرجال الآخرين – وغالباً الأزواج – فالأمر غير مقبول، ولهذا السبب من المهم جداً إشراك الفتيان والشباب في هذه الأحاديث.
هناك أيضاً نقص في المعلومات والدعم فيما يتعلق بالإبلاغ والرعاية الصحية، فالنساء لا تعرفنَ إلى أين تذهبن أو مع من يتحدثن، وكثيراً ما تكن معرضات لسوء المعاملة بما في ذلك من أفراد أسرتهن أنفسهم، ومن أعمامهن أو أبناء عمومتهن الذين يعيشون في نفس المنزل، وهذه مشكلة خاصة في مخيمات وملاجئ النازحين. وعليه، لتشجيع النساء على الإبلاغ عن الإساءات وطلب المساعدة، ينبغي أن يشعرن بالأمان والثقة بأنهن لن يتعرضن لمزيد من المخاطر. لقد صادفت العديد من النساء اللواتي يترددن في البداية في التحدث إليّ وإخباري بما مررن به، لكنهنّ يبدأن بالثقة بي بعد عدة زيارات بما يكفي للانفتاح ومشاركة قصصهن. علاوة على ذلك، ينبغي أن تكون الخدمات التي تعالج احتياجات هؤلاء النساء سرية ومجهولة، وذلك لتشجيعنّ على استخدامها والقضاء على المخاطر أو على الأقل تقليلها بالنسبة للواتي يبحثن عن هذه الخدمات. تتمثل إحدى التوصيات في إنشاء عيادات حيث يمكن لأعداد كبيرة من النساء الذهاب إليها في نفس الوقت – فوجود الأعداد الكبيرة سيشعرهنّ بالأمان، وإذا شعرن بالأمان فسوف يتحدثن ويطلبن المساعدة.
وعلى الرغم من صعوبة معالجة هذه المواقف والمعتقدات المتأصلة، فهناك قصص ملهمة عن البقاء والتحسن. تزوجت امرأة نازحة من الحديدة في سن الرابعة عشرة وتعرضت لجميع أنواع العنف، من الاغتصاب إلى الحبس وإجبارها على تناول الأدوية رغماً عنها. كانت متزوجة لمدة 16 عاما ولديها ثلاث بنات، جميعهن يعانين من أمراض القلب. استغرق الأمر الكثير من الزيارات لبناء ثقتها حتى تحدثت معي، وقد وجدت لها محامية ساعدتها في الحصول على الطلاق، والآن بعد سنوات من العنف والاعتداء الجنسي الذي لا يمكن تصورهما، أصبحت حرة. إنها امرأة قوية تعمل الآن مع منظمتي وتشارك قصتها مع نساء أخريات يمررن بتجارب مماثلة.
لدي عدد لا يحصى من هذه القصص عن معاناة النساء والفتيات، ولكن أيضاً عن الأمل الذي تمنحهن إياه مساعدتنا. سأواصل القتال من أجلهن، لدعمهن لكي يعشن حياة مستقرة خالية من العنف. أنا نفسي لست متزوجة وأعطي كل وقتي وطاقتي لتلك النساء. غالباً ما أشعر بالاكتئاب حيال القصص المستمرة عن سوء المعاملة والحياة الصعبة للغاية التي يعيشها الكثير من الناس في اليمن. ولكن في كل مرة يتحقق ولو نجاح صغير، يمنحني ذلك طاقة وحافزاً متجددين لمواصلة العمل من أجل نساء اليمن اللواتي عانين بما يكفي أعمارًا عديدة.
وردة صالح ناشطة في مجال حقوق المرأة اليمنية تعمل على قضايا العنف القائم على نوع الجنس في مخيمات النازحين في اليمن.
تعليقات