أزمة اليمن والمجتمع المدني: البقاء على قيد الحياة رغم الصعاب
-
Issue 76
الأزمة في اليمن
-
1
أزمة اليمن والمجتمع المدني: البقاء على قيد الحياة رغم الصعاب
-
2
التصدي للعنف ضد النساء والفتيات: دور المنظمات الوطنية
-
3
معالجة العنف القائم على نوع الجنس وزواج الأطفال: مقاربة شعبية
-
4
“المجتمع المضيف ضعيف مثلنا تماماً”: نظرة متعمقة في أزمة النازحين في الحديدة والاستجابة الإنسانية
-
5
“النُهج الديناميكية لحماية الأطفال في الاستجابة الإنسانية في اليمن
-
6
“عندما تكون الاحتياجات هائلة: تحقيق التوازن بين النوعية والتغطية في مستشفى في اليمن
-
7
“تحديات المعلومات والتحليلات الإنسانية: أدلة من اليمن
-
8
“برنامج “النقد من أجل التغذية” في اليمن
-
9
“الضرر الواقع على المدنيين وحمايتهم منه في اليمن
-
10
“وقف مبيعات الأسلحة لأطراف النزاع في اليمن: استعراض دعوات مناصرة منظمة كير في فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة
حذر وكيل الأمين العام، مارك لوكوك، في البيان الموجز الذي قدمه لمجلس الأمن في أكتوبر / تشرين الأول 2019، من بطء التقدم في معالجة حالة الطوارئ الإنسانية في اليمن. كان شهر سبتمبر 2019 أكثر الشهور دموية بالنسبة للمدنيين، حيث قتل أو جرح ما يقرب من 400 شخص بمعدل 13 شخص في اليوم، ويمثل الموت المأساوي لأربعة أطفال في الحديدة، قتلوا بأسلحة لم تتفجر في قصف سابق وجميعهم من نفس العائلة، مثالا عن مدى حدة الأزمة.
ترسم البيانات صورة قاتمة، إذ أن حوالي ثمانية من بين كل عشرة يمنيين بحاجة إلى مساعدة إنسانية أو حماية إنسانية، فضلاُ عن أن14.4 مليون من سكان البلاد البالغ عددهم 30.5 مليون شخص يعانون من احتياجات ماسة. شرد حوالي 3.5 مليون شخص ويعاني 20 مليون آخرون من انعدام الأمن الغذائي، نصفهم تقريباً يعانون من الجوع الشديد، عدا عن ذلك، يفتقر18 مليون يمني إلى المياه الصالحة للشرب والصرف الصحي، وما يقرب من 20 مليون يمني لا يحصلون على الرعاية الصحية الكافية. في عام 2018، احتلت اليمن المرتبة 178 من أصل 189 دولة في مؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية.
يوضح تحليل منظمة كير عن نوع الجنس والنزاع في محافظتي تعز وعدن، الصادر في سبتمبر 2019، أن أهم خمسة مخاوف تنتاب اليمنيين في المجتمعات التي نعمل معها هي: صعوبات الحصول على عمل وعدم الحصول على دخل كافٍ لتغطية الاحتياجات الأساسية وعدم معرفة كيفية الحصول على المساعدة وعدم القدرة على التحرك عبر مناطق الصراع وعدم القدرة على التحرك بأمان دون الخوف على السلامة في الملاجئ الجماعية أو داخل مناطق المجتمع المضيف. ما تخبرنا به النساء والرجال وعائلاتهم هو أنهم يريدون أن يصبحوا أكثر قدرة على الصمود. لقد زرت اليمن في وقت سابق من هذا العام، وما حملته معي هو عزم اليمنيين وتصميمهم على إعادة بناء بلادهم، لذا فإن المجتمع العالمي يدين لهم بفرصة التعافي من خلال مساعدة مستدامة ومسار نحو حل سياسي للأزمة.
توجد منظمة كير في اليمن منذ عام 1992، ولولا جهود اليمنيين أنفسهم الذين يعملون ويتطوعون وينظمون في الداخل والخارج لحل الأزمة لكانت عملياتها وعمليات المنظمات الدولية الأخرى في البلاد مستحيلة. وكما أشار وكيل الأمين العام لوكوك، فإن هذه هي أكبر عملية إغاثة إنسانية في العالم، ومعظم وكالات الإغاثة العاملة في البلاد البالغ عددها 250 وكالة هي يمنية، العديد منها عبارة عن عمليات شعبية صغيرة، مثل منظمة يداً بيد التي تديرها وردة صالح، يمولها أعضاء المجتمع المحلي، ومنح الأمم المتحدة لمرة واحدة والمؤسسات الخاصة ومصادر أخرى. على الرغم من ضآلة الأموال المجمعة المخصصة للمنظمات الإنسانية المحلية، فإن هذه الجماعات لها تأثير كبير في الميدان وبين وسائل الإعلام والجمهور.
قضايا نوع الجنس والحماية في صدارة الأزمة اليمنية
أفادت منظمة كير في عام 2018 أن أكثر من 3.25 مليون امرأة في سن الإنجاب واجهن مخاطر متزايدة في مجالي الصحة والحماية، بما في ذلك مخاطر العنف القائم على نوع الجنس. ووفقًا لصندوق الأمم المتحدة للسكان، فإن أكثر من ثلاثة ملايين امرأة وفتاة يمنية معرضة لخطر العنف القائم على نوع الجنس و60 ألفًا على الأقل لخطر العنف الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب. ويشير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى أن حوادث العنف القائم على نوع الجنس، بما في ذلك الاغتصاب والاعتداء الجنسي وعنف الشريك الحميم والزواج المبكر والقسري للفتيات، قد زادت بنسبة أكثر من 60 ٪ منذ بدء النزاع. ويكشف تحليل منظمة كير حول نوع الجنس والنزاعات عن القلق المتزايد والخوف والضغط العاطفي وتدهور الصحة العقلية لكل من النساء والرجال.
يعكس تحليل نوع الجنس والنزاع الذي قامت به منظمة كير الدروس المستفادة من “ما الذي ينجح في منع العنف ضد النساء والفتيات” في الحالات الإنسانية. وتشير المذكرة الموجزة عن النزاع والوضع الإنساني لبرنامج “ما الذي ينجح”، الذي يمتد لعدة سنوات والذي وضعته إدارة التنمية الدولية، إلى أن النساء أكثر عرضة من الرجال لأن يكنّ ضحايا للاستغلال الجنسي خلال النزاع، فالنزاع يزيد أيضا من الفقر، كما أن الضغوط الاقتصادية على الأسر تزيد أيضًا من العنف ضد النساء والفتيات، وخاصة عنف الشريك الحميم كون الحرمان الاقتصادي ومستويات الدخل مؤشرات متوقعة للعنف المرتبط بنوع الجنس، ويتفاقم تطبيع الاغتصاب والعنف الجنسي داخل المنزل مع تواصل وجود العنف خارج المنزل. يتفق هذا مع تحليل منظمة كير في محافظتي عدن وتعز، حيث تظهر حوادث العنف القائم على نوع الجنس نزعة تصاعدية منذ مارس 2015، وأن النساء تتأثرنَ بشكل أكبر بتدهور ظروف المعيشة والخدمات بسبب الحرب.
تنطبق على اليمن توصيات “ما الذي ينجح”، وهو برنامج فريد من نوعه كلفته ملايين الجنيهات الإسترلينية ويمتد على مدى خمس سنوات، حول الأدلة على انتشار العنف ضد النساء والفتيات ومنعه:
- تخصيص موارد كافية للاستجابة الفعالة للعنف ضد النساء والفتيات واستخدام هذه الموارد لضمان: جعل التخفيف من خطر العنف ضد النساء والفتيات جزءًا لا يتجزأ من التمويل والتقييم الميداني وإزالة الحواجز أمام الوصول إلى خدمات العنف القائم على نوع الجنس قد أزيلت؛ ومواجهة التغييرات الطارئة على المعايير الاجتماعية لمعالجة الأسباب الجذرية للعنف ضد النساء والفتيات والحد من وصم الناجية بالعار. غالباً ما تفتقر الناجيات من العنف القائم على نوع الجنس في اليمن إلى خدمات الدعم أو معرفة مكان وجود الخدمات المتوفرة. معالجة أشكال متعددة من العنف ضد النساء والفتيات في حالات النزاع والظروف الإنسانية، بما في ذلك عنف الشريك الحميم وزواج الأطفال المبكر والقسري. وتكشف تحليلات منظمة كير حول نوع الجنس والنزاع عن تعدد حالات العنف القائم على نوع الجنس التي تعاني منها المشاركات في مجموعات النقاش المركزة، بما في ذلك الإساءة اللفظية للنساء والإيذاء الجسدي للأطفال.إعطاء الأولوية لجهود منع العنف ضد النساء والفتيات والمساواة بين الجنسين في الاستجابة الإنسانية، إلى جانب تيسير سبل الوصول إلى الخدمات. كما تنبغي معالجة مشكلات الفقر والمساواة بين الجنسين واعتلال الصحة العقلية كمحركات هيكلية للعنف ضد النساء والفتيات ونتاجًا له.
- تلبية الاحتياجات الخاصة للفتيات المراهقات اللواتي يعشن في ظروف هشة من خلال برامج الوقاية والاستجابة المناسبة للفئة العمرية، والاستجابة المتكاملة عبر قطاعات التعليم والصحة والحماية. من المرجح غالبا أن تسحب الفتيات من المدرسة وأن يخضعن للزواج المبكر والقسري، وتتقاطع المخاطر الحادة التي تتعرض لها الفتيات الريفيات اليمنيات، على سبيل المثال، مع احتياجات الصحة والحماية عندما يقمن بمهمتهن التقليدية المتمثلة في جمع المياه في أماكن إقامة الضيافة الحضرية.
الحاجة إلى مساعدة مستدامة طويلة الأمد لتجديد سبل الصمود
تشمل أولويات منظمة كير دمج الشواغل المتعلقة بنوع الجنس بشكل فعال في الاستجابة الإنسانية والتنمية المستدامة. اتضح لي أثناء وجودي في اليمن، بحسب ما عبر لي عنه النساء والرجال الذين التقيت بهم، أن إعادة بناء اقتصاد البلاد أمر أساسي، كما أظهر بحث بتكليف من منظمة كير صدر في مايو 2019 حول الجوانب الجنسانية للمساعدة النقدية متعددة الأغراض في سياق أزمة الغذاء في اليمن أهمية المساعدة المستدامة طويلة الأجل. يوضح هذا البحث الجانب السلبي للمساعدة النقدية قصيرة الأجل (سواء أكانت مشروطة بالعمل أو متعددة الأغراض)، وكذلك المساعدات الغذائية قصيرة المدى. بالإضافة إلى العمر (فوق 65 عامًا) والإعاقات الكبيرة أو المرض أو المخاوف الصحية التي تشكل حواجز أمام بناء القدرة على الصمود، يُظهر التمايز بين الجنسين في البحث في مديريتي أبين وعمران أن النساء يستخدمن المساعدات النقدية لبناء دخلهن الخاص ودخل أسرهن. فالنساء أكثر ميلا من الرجال للاستثمار في سبل العيش والمشاركة في التدريب على المهارات وأنشطة الادخار.
وبدون مثل هذه التدخلات، قد تلجأ النساء والأطفال بشكل خاص إلى استراتيجيات التكيف السلبية بما في ذلك التسول (ما يعرضهم لخطر الاستغلال الجنسي) لإعالة أنفسهم وأسرهم وعائلاتهم. وقد أظهر بحث كير في اليمن أن 10 أشهر من برامج المساعدة النقدية متعددة الأغراض نتج عنها:
- زيادة المدخرات والاستثمار في سبل العيش وانخفاض الاقتراض من الجيران والتجار (المدينين) في أوقات الأزمات.
- زيادة سداد الديون والاستثمارات المهمة في سبل كسب العيش، وخاصة في الثروة الحيوانية.
- انخفاض سلوكيات التكيف السلبية (بحوالي 70٪ في محافظة عمران و43٪ في محافظة أبين).
- بروز نهج تحولية في طلب المساعدة، حيث أصبح 48٪ من الأسر التي شملتها المقابلات مع مقدمي المعلومات الرئيسيين يلجؤون إلى مجتمعهم في الأوقات صعبة.
- زيادة تصل إلى 150٪ في تنوع النظام الغذائي للنساء في عمران في المناطق الأكثر حرمانًا. وفي أبين، حصلت 64٪ من الأسر على درجات مقبولة في استهلاك الغذاء.
بالإضافة إلى تزويد الأسر بالأصول مثل المساعدات النقدية المتوسطة وطويلة الأجل و/أو الثروة الحيوانية لبدء المشاريع الصغيرة، تشمل برامج المساعدة المستدامة لبناء اقتصادات ومجتمعات قادرة على الصمود في اليمن:
- تعبيد الطرق بدعم من برامج النقد مقابل العمل لربط القرى النائية بالمراكز الحضرية.
- إعادة تأهيل الزراعة، بما في ذلك دعم إدماج المرأة في الوظائف الزراعية الرسمية.
- توفير مصادر مائية مستدامة وأنابيب للمنازل، بدلاً من نقل المياه بالشاحنات.
- إصلاح شبكات المياه والصرف الصحي في المدن، والاستثمار في أنظمة المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية المراعية للاعتبارات الجنسانية (من خلال استشارة وإشراك النساء والفتيات بشكل فعال في إنشاء أنظمة المياه والصرف الصحي والنظافة العامة).
في نهاية المطاف، اليمنيون أنفسهم هم من سيكون لهم الدور الحاسم في إعادة بناء اليمن، أما دور المجتمع الإنساني، بما في ذلك منظمات مثل كير، فهو يتمثل في المساعدة في خلق مساحة للتغيير الإيجابي من خلال التدخلات المتوسطة وطويلة الأجل. للقيام بذلك، نحتاج إلى المزيد من مصادر التمويل المرنة ومصادر التمويل متوسط وطويل الأجل من الحكومات والأمم المتحدة والقطاع الخاص والمؤسسات. تقدم رحاب الخوجة، المديرة الميدانية لمنظمة كير في اليمن لتمكين المرأة اقتصاديًا، لمحة عن التحديات التي يواجهها العديد من اليمنيين كل يوم قائلة “عندما بدأت عملي في كير … أدركت أننا نسمع الكثير من قصص النساء في اليمن، وعن كيفية تغير أدوار الجنسين في المجتمع حيث بدأت الكثيرات في العمل للمرة الأولى كوسيلة لكسب دخل إضافي لعائلاتهن، لكننا لا نسمع الكثير عن كفاحاتهن لتحقيق ذلك”. كير الدولية ملتزمة بالعمل مع النساء والرجال اليمنيين، ومع منظماتهم، لتأمين مستقبل مستدام.
لوري لي هي المدير التنفيذي لمنظمة كير الدولية البريطانية، ومقرها لندن.
تعليقات