اندلعت التوترات بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع وتحولت إلى نزاع مسلح في منتصف أبريل/نيسان. وانتشر العنف الشديد – الذي بدأ في العاصمة الخرطوم – إلى أجزاء أخرى من السودان، لاسيما دارفور وكردفان. وغرقت البلاد وشعبها في أزمة مدمرة لم يشهد السودان حدتها وحجمها من قبل، مع حدوث تكثيف حاد لاقتصادها السياسي الاستخراجي ونشوب معركة للسيطرة على الموارد. وقد نزح أكثر من 4 ملايين شخص في الأشهر الأربعة الماضية، مع بقاء معظمهم داخل البلاد في وقت حرج في الموسم الزراعي. ويحتاج أكثر من نصف السكان إلى المساعدة الإنسانية، ويواجه أكثر من 40% مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد. ومع تعرض المستشفيات والمنشآت الصحية للهجوم، بات النظام الصحي في جميع أنحاء السودان على وشك الانهيار، وانهار نظام التعليم.

وصف منسق الأمم المتحدة للإغاثة في حالات الطوارئ السودان بأنه ”أصعب مكان في العالم“ لإيصال المساعدات الإنسانية. وفي حين أن وصول الوكالات الإنسانية الدولية يمثل مشكلة رئيسية بالفعل، فإن الموظفين والمتطوعين والنشطاء العاملين في منظمات المجتمع المدني السودانية، والمنظمات غير الحكومية الوطنية يواصلون العيش والعمل في العديد من تلك الأجزاء ”التي يصعب الوصول إليها“ في البلاد، وفي بعض المجتمعات المحلية الأكثر تضررًا. وخلال الأشهر الأربعة الماضية، كانوا مستجيبين حاسمين في الخطوط الأمامية. وعلى الرغم من الهجمات المباشرة على منظمات المجتمع المدني، يواصل الكثير منهم العمل بأفضل ما في وسعهم. ولا يملك معظمهم خيار إجراء تقييمات للمخاطر من مواقع أكثر أمانًا. فهم يعيشون في الأزمة وخلالها. وجاء على لسان المدير تنفيذي لإحدى المنظمات غير الحكومية الوطنية قوله: ”لا يمكننا التخلي عن مجتمعاتنا المحلية وشركائنا“.

لم يكن دعم المجتمع المدني في السودان بكل تنوعه – من المنظمات غير الحكومية الوطنية إلى غرف الاستجابة لحالات الطوارئ – حتميًا أكثر من أي وقت مضى. حيث تشكل المنظمات المجتمعية، ولجان الأحياء، والمنظمات غير الحكومية المحلية والوطنية شريحة مهمة في أي مجتمع، وقد أثبتت أهميتها في تاريخ السودان الحديث. وفي الأزمة الإنسانية الحالية، التي يغيب فيها المجتمع الدولي إلى حد كبير، هم المستجيبون الوحيدون في الخطوط الأمامية. وتحظى منظمات المجتمع المدني الراسخة وذات الخبرة بثقة المجتمعات المحلية التي تعمل معها، وهي على دراية جيدة بكيفية تأثير النزاع على فئاتها المستهدفة، وكيفية تلبية احتياجاتها على أفضل وجه.

أُثيرت أهمية دعم المنظمات غير الحكومية الوطنية وجماعات المجتمع المدني في السودان والعمل معها ونوقشت في اجتماعات دولية على مدى الأشهر القليلة الماضية، وأكد عليها منسق الإغاثة في حالات الطوارئ. لكن على الرغم من جميع الخطابات المحيطة بالتوطين، لم يتحقق الكثير نسبيًا من حيث الإجراءات الملموسة والاعتراف بالأهمية الحيوية لجهود المساعدات التي تقودها منظمات محلية في السودان. وقد أتى الكثير من الدعم حتى الآن من مبادرات خاصة لجمع التبرعات حشدها السودانيون في المهجر وغيرهم ممن لهم صلات طويلة الأمد بالسودان، إلى جانب المنح المقدمة لمرة واحدة من الوكالات الدولية، على سبيل المثال من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى غرف الاستجابة للطوارئ. وتبذل بعض المنظمات غير الحكومية الدولية قصارى جهدها، وذلك بناءً على الشراكات والعلاقات القائمة لدعم التمويل وتوجيهه من خلال المنظمات غير الحكومية الوطنية إلى مجتمعات معينة محتاجة. وبينما اضطلعت هذه الجهود بدور بالغ الأهمية، إلا أنها مجزأة، ولا يمكنها تحقيق الحجم والأثر المطلوبين.

الشيء الناقص هو استراتيجية ونهج واضحين ومستنيرين وممولين جيدًا يجمعان القطاع الإنساني الدولي في شراكة حقيقية مع المنظمات غير الحكومية الوطنية، وغرف الاستجابة لحالات الطوارئ، وجهود المساعدة الأخرى التي تقودها منظمات محلية في جميع أنحاء البلاد. ويتعين على هذه الاستراتيجية أن تعترف بالدور الرائد الذي تضطلع به المنظمات غير الحكومية الوطنية والنشاط الشعبي في الاستجابة الإنسانية المنقذة للحياة التي يحتاج إليها الكثيرون بصورة عاجلة. وفي البيئة الحالية المشحونة واليائسة، حيث يسبق الكفاح من أجل البقاء كل شيء، يجب أن يكون هذا النهج مستنيرًا ومسؤولًا ومرنًا في طريقة تقديم هذا الدعم، مما يضمن أنه لا يصب في الجهود الحالية (من جانب القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع) الرامية إلى عسكرة المجتمع المدني أو إضفاء الطابع الأمني عليه،[1] أو زيادة المخاطر التي يواجهها بالفعل العديد من النشطاء والمستجيبين المحليين (الاعتقال، والاستجواب، وأحيانًا التعذيب على أيدي الطرفين المتحاربين).

ينبغي لأي استراتيجية تهدف إلى دعم جهود المجتمع المدني السوداني أن تعترف بالضربة القاصمة التي تلقتها تلك المنظمات غير الحكومية الوطنية، ومنظمات المجتمع المدني، والنشطاء، بما في ذلك تلك التي تتخذ من الخرطوم مقرًا لها. فقد تعرضت المكاتب للسرقة، ونُهبت الأصول (المركبات، وأجهزة الحاسوب، والأثاث المكتبي، والنقود، والإمدادات الحيوية)، واضطر الموظفون إلى الفرار. وكان نقل الموظفين وعائلاتهم من الخرطوم ومدن أخرى إلى أماكن أكثر أمانًا تحديًا كبيرًا ومكلّفًا. ولم تتمكن العديد من المنظمات غير الحكومية الوطنية من دفع رواتب الموظفين، مع وجود تقارير عن تعليق عمل الموظفين (وكذلك الموظفين الوطنيين للوكالات الدولية) أو تسريحهم بالمئات.

كان جميع الموقّعين على هذا الخطاب من موظفي الإغاثة في السودان أثناء الجفاف والمجاعة الكبيرين في الثمانينيات أو بعدهما بفترة وجيزة، وفي العقود التي تلت ذلك. وقد شهدنا في السنوات الفاصلة تغييرات كبيرة في المجتمع المدني، بما في ذلك تأسيس العديد من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني الوطنية المتنوعة للغاية. وقد تحقق هذا التقدم في بيئة اتسمت بالعداء الشديد تجاه أي مبادرة لا تتماشى مع ديكتاتورية نظام البشير التي استمرت لمدة 30 عامًا. وهو يسلط الضوء على الصمود والالتزام الاستثنائيين للعديد من المنظمات غير الحكومية الوطنية ومنظمات المجتمع المدني التي ظلت مستقلة بثبات عن النظام. وفي الواقع، كان النشاط الشعبي هو الذي لعب دورًا فعالًا في الإطاحة بعمر البشير في عام 2019.

يمكن أن تختفي أجزاء كبيرة من البنية التحتية الواسعة للمجتمع المدني في السودان ببساطة تحت الضغوط الحالية، إذا لم تُدعم الآن، حيث هناك حاجة ماسة إليها، لمواصلة دورها كمستجيبين إنسانيين في الخطوط الأمامية وتعزيزه.

للحيلولة دون تدمير المجتمع المدني في السودان، ولضمان حصول المتضررين من الأزمة على المساعدة التي يحتاجون إليها بصورة عاجلة، فإنه يتعين على المنظمات الدولية اتخاذ الإجراءات التالية:

  • توسيع نطاق الدعم – بطريقة تراعي ظروف النزاع – المقدم لجهود تقديم المساعدات التي تقودها منظمات محلية في جميع أنحاء السودان، بما في ذلك غرف الاستجابة لحالات الطوارئ، والمنظمات غير الحكومية الوطنية، والجهات الفاعلة المحلية الأخرى ذات المصداقية.
  • دعم المنظمات غير الحكومية الوطنية لإعادة تأسيس مكاتبها وموظفيها وإعادة تجهيزهم وحمايتهم – في المقر الرئيسي والمكاتب الميدانية التي تعين عليهم الانتقال إليها.
  • دعم المنظمات غير الحكومية الوطنية للتأكد من أن لديها مرافق الإنترنت اللازمة للانضمام إلى الاجتماعات عبر الإنترنت والمشاركة مع الوكالات الإنسانية الدولية التي يعمل العديد منها الآن خارج مدينة بورتسودان أو من البلدان المجاورة.
  • تقديم المنح للمنظمات غير الحكومية السودانية لتمكينها من الاحتفاظ بموظفيها الأساسيين وحمايتهم (وفي بعض الحالات إعادة توظيفهم) ودعم التعاون المشترك بين الوكالات وتبادل المهارات.
  • تقديم المنح وأشكال الدعم الأخرى لمساعدة المنظمات غير الحكومية الوطنية على إجراء التقييمات والاستعداد للاستجابة.
  • فوق كل شيء، إتاحة الوصول إلى التمويل الإنساني لتقديم المساعدة لمن هم في أمس الحاجة إليها، لا سيما ولكن ليس فقط في المناطق ”التي يصعب الوصول إليها“، والإقرار الكامل بدور منظمات المجتمع المدني السودانية ومساهمتها في الاستجابة الإنسانية.

قد تتطلب بعض هذه الإجراءات دعم منصة محلية جديرة بالثقة لتنسيق الأموال وتوزيعها لاستعادة القدرات ودعم المبادرات الإنسانية المحلية (الحماية والمساعدة) ومبادرات بناء السلام المصممة حسب السياق المحلي.

الموقعون،

مارك برادبري

مارغي بوكانان-سميث

نيلز كارستنسن

جاستن كوربيت

كارين دي جونغ

هارييت دود

ويندي فينتون

سوزان جاسبارس

سعاد موسى

سورتشا أوكالاغان

سارة بانتوليانو

إيدي توماس

كارين توينينغ فوكس

هيلين يانغ


نحن على اتصال وثيق بالمجتمع المدني السوداني الذي يعمل في مناطق جغرافية مختلفة وعلى جميع المستويات، وتستند هذه الدعوة للعمل إلى مطلبهم بالدعم العاجل ذي الصلة.


[1] يتعرض أعضاء بعض منظمات المجتمع المدني، مثل لجان الأحياء، للضغوط للانحياز إلى جانب الجيش أو تم القبض عليهم.

تعليقات

Comments are available for logged in members only.

هل يمكنك المساعدة في ترجمة هذا المقال؟

نريد الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الأشخاص. إذا كان بإمكانك المساعدة في ترجمة هذه المقالة ، فتواصل معنا.
Contact us

هل وجدت كل ما تبحث عنه؟

تساعدنا مدخلاتك القيمة في تشكيل مستقبل HPN.

هل تود الكتابة لنا؟

كما نرحب بالتقارير المقدمة من قرائنا بشأن المواضيع ذات الصلة. إذا كنتم ترغبون بنشر أعمالكم على شبكة العمل الإنساني، فإننا نحثكم على التسجيل بصفتكم عضوًا في شبكة العمل الإنساني حيث ستجدون المزيد من التعليمات حول كيفية تقديم المحتوى إلى فريق تحريرنا الخاص.
Our Guidance